اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 202
إن الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا. فهم خلقوا للخلافة في هذه الدنيا. ولكنه يريد منهم أن يتجهوا إلى الله في أمرها، وألا يضيقوا من آفاقهم، فيجعلوا من الدنيا سوراً يحصرهم فيها.. إنه يريد أن يطلق «الإنسان» من أسوار هذه الأرض الصغيرة فيعمل فيها وهو أكبر منها ويزاول الخلافة وهو متصل بالأفق الأعلى.. ومن ثم تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ضئيلة هزيلة وحدها حين ينظر إليها الإنسان من قمة التصور الإسلامي..
203- ثم تنتهي أيام الحج وشعائره ومناسكه بالتوجيه إلى ذكر الله، وإلى تقواه:
«وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى. وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» ..
أيام الذكر هي في الأرجح يوم عرفة ويوم النحر والتشريق بعده.. قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق.. وقال عكرمة: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ» يعني التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر. الله أكبر. وفي الحديث المتقدم عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي: «وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه» .. وأيام عرفة والنحر والتشريق. كلها صالحة للذكر.
اليومين الأولين منها أو اليومين الأخيرين. بشرط التقوى:
ذلك «لِمَنِ اتَّقى» ..
ثم يذكرهم بمشهد الحشر بمناسبة مشهد الحج وهو يستجيش في قلوبهم مشاعر التقوى أمام ذلك المشهد المخيف:
«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» ..
وهكذا نجد في هذه الآيات كيف جعل الإسلام الحج فريضة إسلامية وكيف خلعها من جذورها الجاهلية وربطها بعروة الإسلام وشدها إلى محوره وظللها بالتصورات الإسلامية ونقاها من الشوائب والرواسب..
وهذه هي طريقة الإسلام في كل ما رأى أن يستبقيه من عادة أو شعيرة.. إنها لم تعد هي التي كانت في الجاهلية إنما عادت قطعة جديدة متناسقة في الثوب الجديد.. إنها لم تعد تقليداً عربياً، إنما عادت عبادة إسلامية. فالإسلام، والإسلام وحده، هو الذي يبقى وهو الذي يرعى..